ألقد شاءت قدرة الله أن يستخلف الإنسان في هذه الأرض , ويحمله أمانة إعمارها وإقامة حكم الله فيها ...
ونظرا لخطورة هذه الأمانة وأهمية ذلك الاستخلاف , بحيث أشفقت منها السموات والأرض واعتذرت عن حملها راسيات الجبال ، فقد شاءت إرادة الله أيضا , أن يكون بناء الإنسان الروحي والمادي على مستوى هذه المسؤولية العظيمة .. ولذلك فقد عني المنهج الإلهي بالإنسان عناية فائقة , وأعطى الأهمية البالغة لبنائه الروحي والفكري والعقائدي , وأكد على سلامته النفسية والجسمية , وحرص على وقايته من كل ما من شأنه أن يسبب له الانحراف والمرض , وشرع له كل ما هو ضروري لسلامة حياته وديمومتها ...
ولا نتعد الحقيقة إذا قلنا : أن ما ورد في القران الكريم - الذي هو آخر كتاب أنزله الله - من تشريعات , وما ذخرت به سيرة المصطفى (ص) -خاتم أنبياء الله - من ممارسات وتطبيقات إنما هي قوانين للحياة , والتزامها يعني سعادة البشرية ووقاية المجتمع الإنساني كله من المرض والخطيئة والشقوة ( مأخوذة من الشقاء) . وصدق الله العظيم إذ يقول : (( يا أيها الذين امنوا استجيبو لله وللرسول اذا دعاكم ما يحيييكم )) الأنفال : (23)
ومن هذه التشريعات العظيمة تشريع (( الصوم )) وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة , وردت فرضيته في الكتاب والسنة والإجماع .. والصوم عبادة خالصة لله تعالى , والهدف الرئيسي منها تقوى الله وتزكية النفس المؤمنة , قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة (183)
وللصوم الأثر الكبير في إراحة الجهاز الهضمي المتعب طيلة أيام السنة , حيث أن صيام شهر بالسنة يعني إراحة الجهاز الهضمي بمعدل يوم واحد كل اثني عشر يوما , كما أن فيه حث على الاستفادة من مخزون الشحوم والمواد الأخرى الزائدة في الجسم , حيث يفقد الكبد والطحال والعضلات ، مثلا ، ما يتراوح بين 30-60% من المواد المخزونة الفائضة .
ونقف بإجلال وإعجاب أمام القول المعجز للنبي الأمي محمد (ص) (( الصيام جُنَّة )) والجنة : هي الوقاية من الأمراض وغيرها ...
وما أكثر الحالات المرضية التي نعالجها بالصوم , سواء كان صوما جزئيا - عن نوع من الأطعمة أو أكثر - أو صوما كليا ليوم أو بعض يوم , كما نفعل في حالات الإسهال : حيث نمنع المريض من تناول الأطعمة الصلبة والدسمة ونبقيه على السوائل والماء لساعات عدة ، وذلك لإراحة الجهاز الهضمي حتى يستعيد صحته ويعود إلى طبيعته ... أو كما نفعل مع مرضى ارتفاع الضغط الدموي فنمنع عنهم الأملاح الزائدة والدهنيات. أو مع مرضى السكري : فنمنع عنهم الحلويات الزائدة ... الخ
ومن الحقائق الثابتة لدينا والتي يعرفها كل طبيب يعمل في البلاد الإسلامية التي يصوم غالبية أهلها , أن عدد مراجعي المستشفيات والعيادات يقل بصورة ملحوظة في شهر رمضان المبارك من كل عام .. اللهم إلا حالات محدودة من المفرطين في الطعام , المكثرين منه عند الإفطار , ممن لم يستوعبوا حكمة التشريع أصلا ...! ونقف مرة أخرى بإجلال وإعجاب أمام إعجاز النبي الأمي محمد (ص) الذي يقول : (( صوموا تصحّوا )) رواه الطبراني في الأوسط وأبو النعيم في الطب النووي .
الإفطار على التمر :
من العادات الطبية التي علمنا إياها رسول الله ( ص) هي أن نفطر على التمر في رمضان ..
قال (ص) (( اذا افطر احدكم فليفطر على تمر , فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور )) . رواة احمد وابو داوود وابن ماجة . ولإفطار الصائم على التمر فائدتان طبيتان عظيمتان على الأقل :
أولهما : أنه يحتوي على مواد سكرية بسيطة , قابلة للامتصاص من جميع أجزاء الجهاز الهضمي بسرعة , وامتصاصها بهذه السرعة ووصولها إلى الدم ومنه إلى أجزاء الجسم الحيوية - كالقلب والدماغ - يعطي للإنسان حيوية ونشاطا يسري في جسمه كتيار الكهرباء ويشعر معه الصائم بانتعاش في روحه , وقوة في جسمه , وتحسن واضح في تركيزه الذهني والبصري ..
والثانية : يقلل من نهم الصائم للغذاء عن طريق دغدغة مركز الشبع في الدماغ فتقل شهية الصائم للأكل وتخفف من اندفاعه للطعام فيأكل ما يكفيه فقط دون إفراط أو تخمة ..
وتتأكد هذه الفوائد الطبية أكثر إذا اتبع الصائم إفطاره على التمر بصلاة المغرب معطيا فرصة كافية لامتصاص تلك السكريات ووصولها إلى القلب والدماغ .. وإن لم يجد الصائم التمر فليفطر على الماء أو الماء المخلوط بشيء من اللبن فهو يحقق فوائد قريبة من ذلك .. وننصح كبار السن خاصة بشرب الماء قبل الإفطار لما له من مفعول منبه لحركة الأمعاء مما يقلل من حالة الإمساك التي غالبا ما يشكو منها أولئك الكبار .
رخصة الإفطار في رمضان :
لقد شرع الله الصوم للمسلم القادر البالغ المعافى في جسمه ، كما رخص بالإفطار في حالات معينة رحمة بالعباد , ورفعا للمشقة والعنت عنهم . قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر )) وقال (( وعلى الذين يطيقونة فدية طعام مسكين )) البقرة : 184. وأهل الرخص هم :
المرضى : فمن كان مريضا اليوم ويرجو الشفاء غدا فله أن يفطر على أن يعوض في أيام أخر ..
المسافرون : فمن سافر سفرا مشروعا وتجاوزت مسافته مسافة قصر الصلاة فله أن يفطر حتى ولو لم تتحقق المشقة ... رخصة من الله ( إن الله يحب ان تؤتى رخصه كما يحب ان تؤتى عزائمه ) ...
كبار السن : الذين ذوت منهم الأجساد وضعفت قابليتهم على الهضم والتمثيل ويحتاجون إلى وجبات صغيرة ومتقاربة لا تسبب لهم عسر الهضم ولا انحطاط القدرة كما لو كان الوقت طويلا في الصوم فهؤلاء يدخلون في قوله تعالى ( يطيقونة ) أي : لا يطيقون الصوم أو يطيقونه بصعوبة بالغة .. فلهم أن يفطروا على أن يدفعوا الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم إفطار ..
المصابون بأمراض مزمنة : يتأخر شفاؤها وتطول فترة علاجها كـ: قرحة المعدة والاثني عشري , والتهابات المعدة المزمنة , وتقرحات القولون , او مرضى القلب , وارتفاع الضغط الدموي ، أو مرضى السكر ، ومرضى الكلى , الذين يضطرون لتناول حبوب العلاج في أوقاتها المحددة وبشكل متكرر .. فهؤلاء جميعا يدخلون أيضا في قوله تعالى (( يطيقونه )) أي : لا يطيقون الصوم .. إما لحاجتهم لوجبات خفيفة من الطعام غير المرهقة للمعدة والقولون كمرضى المعدة والقولون .. أو حاجتهم لشرب السوائل بصورة متكررة كمرضى الكلى والسكري , أو حاجتهم لتناول العلاج بصورة منضبطة كمرضى القلب وارتفاع الضغط الدموي ومرضى الصرع .. ولهؤلاء جميعا فقد رخص الله بالإفطار وإطعام مسكين عن كل يوم لكون أمراضهم مزمنة ولا يرجى برؤها في المدى المنظور .
المرأة الحامل والمرضع : يصعب على المرأة الحامل أو المرضع الصوم لحاجة الجنين والرضيع إلى مواد غذائية من مصدره الوحيد وهي الأم ، فصيام الأم مع حملها أو إرضاعها لوليدها يرهقها ويضعف من صحتها , ويصيبها بنقص كبير في بعض المواد الضرورية لها ولطفلها مثل ( الحديد والكالسيوم وبعض الفيتامينات الضرورية ) ،كما يقل الحليب للطفل قطعاً ، ولذلك فقد رخّص لها الشرع بالإفطار ...
ويبقى السؤال المهم الذي تنتظره ملايين الأمهات هو : هل يجب على المرأة قضاء ما أفطرته بعد رمضان ، أم تكفيها الفدية ...!!!؟
وللإجابة على هذا التساؤل المهم أرى أن تتضافر آراء الأطباء المسلمين والفقهاء ، وأنا أرى من الوجهة الطبية أن الأم التي تحمل بصورة متكررة – كما هي حال الكثير من نسائنا الشرقيات – فهي إما حامل أو مرضع ، وقد تستمر على ذلك لسنين طويلة ، فهذه لها أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً ، لأنها والحالة هذه مظنّة أن لا تستطيع الصوم بسبب حملها وإرضاعها ، وقد لا يمهلها القدر لتعوّض كل هذه الأشهر التي تتراكم عليها ، وبذلك يكون حكمها كحكم أصحاب الأعذار المزمنة التي لا يرجى برؤها .
المجاهدون في سبيل الله : من الأصناف التي رخّص الله لها بالإفطار في رمضان هم المجاهدون في سبيل الله ، الذين يدافعون عن حمى الأوطان وحرمات المسلمين ، لأن صيامهم يعتبر مِرقّة لأجسامهم ، وإضعافاً لهم عن أداء واجباتهم المقدّسة في قتال العدو والسهر على حماية الأوطان ، ويجب أن لا يشعر المجاهد بأي حرج من الإفطار ، لأن ما هم فيه من جهاد أفضل بآلاف المرّات من الصوم وغيره ، فلقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ) . كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفطر في غزواته في رمضان ، وأمر أصحابه بالإفطار ... حتى أنه كثيراً ما كان يقول ( ذهب المفطرون بالأجر ) أو ( ذهب المفطرون باليوم الآخر ) وذلك لما كانوا يبذلونه من جهد ، ويتحملون من الأعباء عنهم وعن إخوانهم الذين كانوا يصرّون على الصوم والجهاد .
الدكتور
فواز القاسم
استشاري طب الأطفال
ونظرا لخطورة هذه الأمانة وأهمية ذلك الاستخلاف , بحيث أشفقت منها السموات والأرض واعتذرت عن حملها راسيات الجبال ، فقد شاءت إرادة الله أيضا , أن يكون بناء الإنسان الروحي والمادي على مستوى هذه المسؤولية العظيمة .. ولذلك فقد عني المنهج الإلهي بالإنسان عناية فائقة , وأعطى الأهمية البالغة لبنائه الروحي والفكري والعقائدي , وأكد على سلامته النفسية والجسمية , وحرص على وقايته من كل ما من شأنه أن يسبب له الانحراف والمرض , وشرع له كل ما هو ضروري لسلامة حياته وديمومتها ...
ولا نتعد الحقيقة إذا قلنا : أن ما ورد في القران الكريم - الذي هو آخر كتاب أنزله الله - من تشريعات , وما ذخرت به سيرة المصطفى (ص) -خاتم أنبياء الله - من ممارسات وتطبيقات إنما هي قوانين للحياة , والتزامها يعني سعادة البشرية ووقاية المجتمع الإنساني كله من المرض والخطيئة والشقوة ( مأخوذة من الشقاء) . وصدق الله العظيم إذ يقول : (( يا أيها الذين امنوا استجيبو لله وللرسول اذا دعاكم ما يحيييكم )) الأنفال : (23)
ومن هذه التشريعات العظيمة تشريع (( الصوم )) وهو ركن من أركان الإسلام الخمسة , وردت فرضيته في الكتاب والسنة والإجماع .. والصوم عبادة خالصة لله تعالى , والهدف الرئيسي منها تقوى الله وتزكية النفس المؤمنة , قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )) البقرة (183)
وللصوم الأثر الكبير في إراحة الجهاز الهضمي المتعب طيلة أيام السنة , حيث أن صيام شهر بالسنة يعني إراحة الجهاز الهضمي بمعدل يوم واحد كل اثني عشر يوما , كما أن فيه حث على الاستفادة من مخزون الشحوم والمواد الأخرى الزائدة في الجسم , حيث يفقد الكبد والطحال والعضلات ، مثلا ، ما يتراوح بين 30-60% من المواد المخزونة الفائضة .
ونقف بإجلال وإعجاب أمام القول المعجز للنبي الأمي محمد (ص) (( الصيام جُنَّة )) والجنة : هي الوقاية من الأمراض وغيرها ...
وما أكثر الحالات المرضية التي نعالجها بالصوم , سواء كان صوما جزئيا - عن نوع من الأطعمة أو أكثر - أو صوما كليا ليوم أو بعض يوم , كما نفعل في حالات الإسهال : حيث نمنع المريض من تناول الأطعمة الصلبة والدسمة ونبقيه على السوائل والماء لساعات عدة ، وذلك لإراحة الجهاز الهضمي حتى يستعيد صحته ويعود إلى طبيعته ... أو كما نفعل مع مرضى ارتفاع الضغط الدموي فنمنع عنهم الأملاح الزائدة والدهنيات. أو مع مرضى السكري : فنمنع عنهم الحلويات الزائدة ... الخ
ومن الحقائق الثابتة لدينا والتي يعرفها كل طبيب يعمل في البلاد الإسلامية التي يصوم غالبية أهلها , أن عدد مراجعي المستشفيات والعيادات يقل بصورة ملحوظة في شهر رمضان المبارك من كل عام .. اللهم إلا حالات محدودة من المفرطين في الطعام , المكثرين منه عند الإفطار , ممن لم يستوعبوا حكمة التشريع أصلا ...! ونقف مرة أخرى بإجلال وإعجاب أمام إعجاز النبي الأمي محمد (ص) الذي يقول : (( صوموا تصحّوا )) رواه الطبراني في الأوسط وأبو النعيم في الطب النووي .
الإفطار على التمر :
من العادات الطبية التي علمنا إياها رسول الله ( ص) هي أن نفطر على التمر في رمضان ..
قال (ص) (( اذا افطر احدكم فليفطر على تمر , فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور )) . رواة احمد وابو داوود وابن ماجة . ولإفطار الصائم على التمر فائدتان طبيتان عظيمتان على الأقل :
أولهما : أنه يحتوي على مواد سكرية بسيطة , قابلة للامتصاص من جميع أجزاء الجهاز الهضمي بسرعة , وامتصاصها بهذه السرعة ووصولها إلى الدم ومنه إلى أجزاء الجسم الحيوية - كالقلب والدماغ - يعطي للإنسان حيوية ونشاطا يسري في جسمه كتيار الكهرباء ويشعر معه الصائم بانتعاش في روحه , وقوة في جسمه , وتحسن واضح في تركيزه الذهني والبصري ..
والثانية : يقلل من نهم الصائم للغذاء عن طريق دغدغة مركز الشبع في الدماغ فتقل شهية الصائم للأكل وتخفف من اندفاعه للطعام فيأكل ما يكفيه فقط دون إفراط أو تخمة ..
وتتأكد هذه الفوائد الطبية أكثر إذا اتبع الصائم إفطاره على التمر بصلاة المغرب معطيا فرصة كافية لامتصاص تلك السكريات ووصولها إلى القلب والدماغ .. وإن لم يجد الصائم التمر فليفطر على الماء أو الماء المخلوط بشيء من اللبن فهو يحقق فوائد قريبة من ذلك .. وننصح كبار السن خاصة بشرب الماء قبل الإفطار لما له من مفعول منبه لحركة الأمعاء مما يقلل من حالة الإمساك التي غالبا ما يشكو منها أولئك الكبار .
رخصة الإفطار في رمضان :
لقد شرع الله الصوم للمسلم القادر البالغ المعافى في جسمه ، كما رخص بالإفطار في حالات معينة رحمة بالعباد , ورفعا للمشقة والعنت عنهم . قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم (( فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من ايام اخر )) وقال (( وعلى الذين يطيقونة فدية طعام مسكين )) البقرة : 184. وأهل الرخص هم :
المرضى : فمن كان مريضا اليوم ويرجو الشفاء غدا فله أن يفطر على أن يعوض في أيام أخر ..
المسافرون : فمن سافر سفرا مشروعا وتجاوزت مسافته مسافة قصر الصلاة فله أن يفطر حتى ولو لم تتحقق المشقة ... رخصة من الله ( إن الله يحب ان تؤتى رخصه كما يحب ان تؤتى عزائمه ) ...
كبار السن : الذين ذوت منهم الأجساد وضعفت قابليتهم على الهضم والتمثيل ويحتاجون إلى وجبات صغيرة ومتقاربة لا تسبب لهم عسر الهضم ولا انحطاط القدرة كما لو كان الوقت طويلا في الصوم فهؤلاء يدخلون في قوله تعالى ( يطيقونة ) أي : لا يطيقون الصوم أو يطيقونه بصعوبة بالغة .. فلهم أن يفطروا على أن يدفعوا الفدية وهي إطعام مسكين عن كل يوم إفطار ..
المصابون بأمراض مزمنة : يتأخر شفاؤها وتطول فترة علاجها كـ: قرحة المعدة والاثني عشري , والتهابات المعدة المزمنة , وتقرحات القولون , او مرضى القلب , وارتفاع الضغط الدموي ، أو مرضى السكر ، ومرضى الكلى , الذين يضطرون لتناول حبوب العلاج في أوقاتها المحددة وبشكل متكرر .. فهؤلاء جميعا يدخلون أيضا في قوله تعالى (( يطيقونه )) أي : لا يطيقون الصوم .. إما لحاجتهم لوجبات خفيفة من الطعام غير المرهقة للمعدة والقولون كمرضى المعدة والقولون .. أو حاجتهم لشرب السوائل بصورة متكررة كمرضى الكلى والسكري , أو حاجتهم لتناول العلاج بصورة منضبطة كمرضى القلب وارتفاع الضغط الدموي ومرضى الصرع .. ولهؤلاء جميعا فقد رخص الله بالإفطار وإطعام مسكين عن كل يوم لكون أمراضهم مزمنة ولا يرجى برؤها في المدى المنظور .
المرأة الحامل والمرضع : يصعب على المرأة الحامل أو المرضع الصوم لحاجة الجنين والرضيع إلى مواد غذائية من مصدره الوحيد وهي الأم ، فصيام الأم مع حملها أو إرضاعها لوليدها يرهقها ويضعف من صحتها , ويصيبها بنقص كبير في بعض المواد الضرورية لها ولطفلها مثل ( الحديد والكالسيوم وبعض الفيتامينات الضرورية ) ،كما يقل الحليب للطفل قطعاً ، ولذلك فقد رخّص لها الشرع بالإفطار ...
ويبقى السؤال المهم الذي تنتظره ملايين الأمهات هو : هل يجب على المرأة قضاء ما أفطرته بعد رمضان ، أم تكفيها الفدية ...!!!؟
وللإجابة على هذا التساؤل المهم أرى أن تتضافر آراء الأطباء المسلمين والفقهاء ، وأنا أرى من الوجهة الطبية أن الأم التي تحمل بصورة متكررة – كما هي حال الكثير من نسائنا الشرقيات – فهي إما حامل أو مرضع ، وقد تستمر على ذلك لسنين طويلة ، فهذه لها أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكيناً ، لأنها والحالة هذه مظنّة أن لا تستطيع الصوم بسبب حملها وإرضاعها ، وقد لا يمهلها القدر لتعوّض كل هذه الأشهر التي تتراكم عليها ، وبذلك يكون حكمها كحكم أصحاب الأعذار المزمنة التي لا يرجى برؤها .
المجاهدون في سبيل الله : من الأصناف التي رخّص الله لها بالإفطار في رمضان هم المجاهدون في سبيل الله ، الذين يدافعون عن حمى الأوطان وحرمات المسلمين ، لأن صيامهم يعتبر مِرقّة لأجسامهم ، وإضعافاً لهم عن أداء واجباتهم المقدّسة في قتال العدو والسهر على حماية الأوطان ، ويجب أن لا يشعر المجاهد بأي حرج من الإفطار ، لأن ما هم فيه من جهاد أفضل بآلاف المرّات من الصوم وغيره ، فلقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ) . كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أفطر في غزواته في رمضان ، وأمر أصحابه بالإفطار ... حتى أنه كثيراً ما كان يقول ( ذهب المفطرون بالأجر ) أو ( ذهب المفطرون باليوم الآخر ) وذلك لما كانوا يبذلونه من جهد ، ويتحملون من الأعباء عنهم وعن إخوانهم الذين كانوا يصرّون على الصوم والجهاد .
الدكتور
فواز القاسم
استشاري طب الأطفال